هل نحن جاهزون؟

ها نحن مزّقنا "أوسلو"! هل نحن جاهزون؟

  • ها نحن مزّقنا "أوسلو"! هل نحن جاهزون؟

اخرى قبل 5 سنة

ها نحن مزّقنا "أوسلو"! هل نحن جاهزون؟

بكر أبوبكر

كتبت في المقال السابق المعنون "ها نحن مزّقنا "أوسلو"!": (إن مرحلة الصراع في ظل تمزيق الاتفاقيات يعني بناء استراتيجية مقاومة ونضال وطني جديدة تحقق النظر بحقيقة العلاقات مع الإسرائيلي باتجاهاتها الثلاثة التشريعية والقانونية والتنفيذية ، ولا يظن أي شخص أن الأمر سهل كما لم تكن معارضة أمريكا والثبات على الموقف سهلًا، فالأمر بداية معركة شرسة، وحرب شعبية طويلة النفس، وصراع من نوع جديد يحتاج لاستراتيجية موحدة أول متطلباتها أن يتخلى المزاودون المشكّكون عن أسلوبهم العدمي وأن يفكروا مليّا ويمدوا اليد لذلك "المستسلم"!.).

والى ذلك لقي خطاب الرئيس أبومازن في اجتماع القيادة والقاضي بوقف العمل بالاتفاقيات مع الإسرائيلي ارتياحا في أوساط القيادة الفلسطينية عامة، باستثناء القلّة التي تتموضع في خانة الخصم العبثي المشاكس، حيث علق أحدهم ساخرا ومشككا: (نحن نريد قرارات حقيقية بأن توقف كل هذه "الترهات" مع هذا الكيان الصهيوني المجرم، وأن لا تكون هذه القرارات كسابقاتها)! وبعد أن يورد حادثة معينة يعلق ساخرا أيضا: (هل هذه ضحكة على أبناء شعبنا الفلسطيني، إذا هناك قرارات بلا تنفيذ لارضاء البعض)!

سنترك المشككين والمزاودين والساخرين جانبا، ونتكلم مع العقلاء في آلية منطق تحويل القرار الى فعل بغض النظر عن الفرق بين (وقف) و(إلغاء) الاتفاقيات التي أثارها البعض من زاوية قانونية، لذا فإن مثل هكذا قرارمصيري تاريخي ليتحول الى فعل حقيقي، وحتى لا يخضع للتشكيك والسخرية والاتهام يحتاج لقدمين ليسير عليها من خلال معركة حقيقية شرسة ضد الاحتلال عنوانها كلمات ثلاث التي طالما كررها عقلاء الشعب والأمة: الوحدة والمقاومة على الأرض والظهير العربي والعالمي.

وعليه يصبح من حقنا على القيادة السياسية بيسارها ويمينها أن نتساءل: أنتم تعقدون الاتفاقيات مع الإسرائيلي وتنسّقون أمنيا تحت عنوان (التفاهمات) وتمنعون المقاومة في غزة بالقوة، ولا تجدون في ذلك غضاضة مطلقا! فكيف ستكون الشراكة؟ التي لا تفهم في هذا السياق إلا في إطار المناكفات؟

ولنا أن نتساءل أيضا بالاتجاه الآخر: فالقيادة التي تعجز عن تسيير مظاهرة واحدة حاشدة من أجل الأقصى-أوضد هدم المنازل، وضد التهويد المتصاعد، وضد قضم الأرض، وضد المستعمرين الارهابيين في مستعمرات الضفة، وغيرها من الانتهاكات والاعتداءات الصهيونية اليومية- تطالب بوقف الاتفاقيات التي هي رئة الكل الفلسطيني الحياتية بغزة والضفة! فكيف يتحقق ذلك، ومادونه لم يتحقق؟

ونعود للتساؤل أيضا: أننا في ظل افتقاد ثقافة المقاومة الشعبية التي تعملقت مقابلها ثقافة أوعقلية الوظيفة والراتب! كيف لنا أن نخوض حربا جديدة أو صراعا جديدا؟ ونحن فشلنا بشدة في (بعض) أصغر شؤون حياتنا اليومية، كما فشلنا في تحويل موسمية المظاهرات والفعاليات المحدودة قرب المستوطنات الى حالة عامة؟ومن مثل فشلنا الذريع في مقاطعة بضائع المستوطنات رغم تكرار الحملات! وفشلنا الكبير في نقل القطاع الزراعي (يسهم القطاع الزراعي للأسف فقط في 3% من اجمالي الناتج المحلي الاجمالي- حسب دراسة لمركز مسارات بقلم سعيد الأغا، ومادلين الحلبي) ليصبح قطاعا مقاوما حقيقيا، وفشلنا في استغلال أراضينا في المناطق (ج) التي تمثل ثلثي مساحة الضفة الغربية؟

هل لنا -كقيادة تنظيمات سياسية ومجتمعية تخصيصا- بالتخلي عن امتيازاتنا المحدودة تحت الاحتلال، وأن نتخلى عن ضغط الوجاهة والزعامة والظهور المَرَضي على الفضائيات؟ أومنابر الجوامع؟ وهل لنا أن نضحي باستقرارنا الوظيفي النسبي، ومعيشة الاسترخاء السلبي رغم عنف الاحتلال لنتحول لجيش من الثوار والمناضلين الشعبيين الحقيقيين؟ باليد واللسان وفي أقل الأحوال بالقلب؟

أضف لما سبق (ان ضعف القاعدة الإنتاجية، واعتماد الأسواق على السلع المستوردة، وانحياز رؤوس الأموال والعمالة للأنشطة الخدمية، زاد من سلوك المجتمع الاستهلاكي، ورفع من قيمة الاستهلاك الكلي حتى وصل إلى 120% من الناتج المحلي، ما يعني ببساطة أننا نستهلك أكثر مما ننتج بنسبة 20%.-الورقة السابق ذكرها)، وهل بمثل هذه المسلكية الجماهيرية التي فشلنا نحن في القيادة في نقلها من السياق الوظيفي الاستهلاكي الى الثوري المقاوم سننفذ قرارات وقف الاتفاقيات؟ كيف ذلك بالله عليكم؟

نحن لا نمل النقد بغرض التقدم لا التيئيس مطلقا، فلقد فشلنا أيضا في تحويل الكوادر التنظيمية في غالب فصائلنا إلى كوادرمثقفة وحدوية وطنية تختلف بمودة وتتآلف، تختلف ولا تُقصي بعضها البعض في فهم للصراع السياسي الداخلي أن هدفه الجامع بكافة الاتجاهات فلسطين...فكيف ننطلق بثقة لتنفيذ القرارات؟.

حادثني عدد من الاخوة الكرام في القيادة، وكتب لي عدد من الكوادر الفتحوية ردا على المقال السابق، وكان أحدهم من قياداتنا البارزة بالشام الذي قال: (لقد مضت أربع سنوات على قرارات المركزي ولم نجعل لها أرجل وكأن الزمن لا قيمة له لدينا ، ما قيمة أن نتخذ قرارات لا نقم بتنفيذها ، وعدم التنفيذ المباشر يؤدي إلى فقدان المزيد من ثقة الشارع بالقيادة ، كان المفروض بأعضاء اللجنة النزول إلى خطوط المواجهة مع الاحتلال ، ولكن هيهات هيهات،أتمنى أن نرتقي من القول إلى الفعل ولو تدريجيا .الاستراتيجية الجديدة يجب أن تكون استراتيجية الكل الفلسطيني من خلال اجتماع فعلي لكل فصائل العمل الوطني والاسلامي من أجل المشاركة فيها وإلا فهي الأيام قادمة ونحن في اليوم الثاني)

وكان مما قلته ردا على النقد الهام جدا والمنطقي: نعم، فالوقف أو الالغاء لن يعني تطورا دراماتيكيا باعتقادي، فهذا لا يستقيم بل يعني ضرورة بدء مرحلة نضال جديدة بثقافة جديدة تحتاج استراتيجية موحدة تجعل للقرار أرجل يسير عليها.

نعود للقول نحن فشلنا في الاعداد والتحضير والتجهيز للمرحلة اللاحقة لما بعد القرار، إذ كان الأولى والأدق والأفضل برأيي أن نجتمع موحدين، ونضع برنامجا او استراتيجية واحدة للمواجهة، ينتقل فيها المجتمع والقضية فصائلها من حالة قديمة الى حالة جديدة تؤسس لصراع وثقافة بشكل جديد، لا البقاء في ذات الحالة القديمة بعد القرار وكأن شيئا لم يكن؟ ما يعني أن من نتهمهم بالمشككين والمزاودين والساخرين -رغم فشلهم الذاتي والحزبي- فهم محقون ولو جزئيا!

ها نحن مزقنا أوسلو وماذا بعد؟ فهل نحن جاهزون؟ يظل سؤالا يستجلب النظر أولا في شأننا الداخلي الذي جعل الكثير في شعبنا وامتنا ينفضّون من حولنا -أقصد كقيادة سياسية- رغم عظمة وعدالة وقوة القضية الفلسطينية التي لن تقهر بإذن الله مهما طال الزمن! نحن بحاجة للمزيد من التفكير والدرس والاجتماع والانفتاح الداخلي والتوحد اليوم قبل الغد، مع ثقافة جديدة لنحول المسطور على الورق لحقائق على الأرض، فالأيام لا ترحم.

------------------------------------

 

 

 

 

 

بكر أبوبكر

كاتب وأديب عربي فلسطيني

في الفكر والدراسات العربية والاسلامية

 

التعليقات على خبر: ها نحن مزّقنا "أوسلو"! هل نحن جاهزون؟

حمل التطبيق الأن